سيرة حياة الراهب القمص أبرام الأنبا توماس



ولد الطفل المبارك فخري يوم الأحد المبارك الموافق 16 يوليو عام 1944م / 9 ابيب 1660ش – بقرية الكتكاتة مركز ساقلته محافظة سوهاج من أبوين تقيين – والده المرحوم فهمي جيد مرجان، ووالدته المرحومة لبيبه جريس.
كان والده يعمل بحرفة النجارة، وقد جاهد في تربية ابنائه تربيه مسيحية صالحة وكان الطفل فخري أصغر ابنائه، وكانت له محبه لدى والديه وقد نال سر المعمودية المقدس بدير الأنبا توماس السائح بساقلته.
اختارت له الأسرة اسم فخري، وكان الله يعده ليكون فخراً لعائلته وقريته بل فخراً لمسيحيته.
اما عن اسرة الطفل فخري كانت مكونه من: الأب والأم وأربعة أبناء هم حسب الترتيب: حلمي – جيد – جاد – فخري، وكان الأب فهمي مشهوداً له بالأمانة والدقة في حرفته، وكان محبوباً – ليس من اقاربه وأهل قريته فحسب بل من كل القرى المجاورة مشهوداً له بأمانته ومحبته واخلاصه في العمل، وكان يستعين بأولاده في العمل معه في حرفة النجارة. اما الطفل فخري فقد اهتم والده بتعليمه فأدخله المدرسة الابتدائية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في قرية الكتكاتة آنذاك وتربى الطفل فخري على مخافة الله وكان هادئا وديعاً محباً للجميع.
كان يساعد اخوته في عمل النجارة وما يأخذه من والده في نهاية الاسبوع كان يوزعه على اخوته، ومرة يعطى من يراه محتاجاً في قريته أو يذهب ليشتري حصيرة لمسجد قريته وهذا يدل على المحبة التي تملأ قلبه التي لا تعرف التمييز بين هذا وذاك.
تعلم فخري القراءة والكتابة فحفظ الكثير من آيات الكتاب المقدس، وكان يواظب على حضور القداسات.
كان الراهب المتنيح مرقس الصموئيلي يأتي من ديره الى بلده العوامية – فكان فخري يذهب اليه ويجلس معه وكان الراهب مرقس يحكي عن فضائل الأنبا صموئيل ويقص سيرته فاشتاق فخري لحياة الرهبنة في دير الأنبا صموئيل – فتمسك الشاب فخري بمنهجه الروحي وداوم على الصلاة والصوم وأيضاً الصدقة وقراءة الكتاب المقدس مسترشداً بأبونا مرقس، ولقد وضع الشاب فخري اما عينيه الهدف الأسمى وهو (معك لا اريد شيئاً على الأرض).
ولما بلغ فخري سن العشرين انتقلت والدته الى السماء.
بدأ والده واخوته في الضغط عليه لكي يتزوج – لكنه رفض رفضاً تاماً، فذهب إلى المتنيح نيافة الانبا بطرس مطران أخميم وساقلته لأخذ بركته وطلب مشورته – فقص عليه كل ظروفه واشتياقاته الروحية فطلب منه المتنيح الأنبا بطرس أن يبق معه في المطرانية ويساعده في الخدمة إلى ان يدبر الله الأمر فلقد كرس الشاب فخري كل وقته وجهده في خدمة الكنيسة والحياة مع الله، وعرض الأمر مرة ثانية على نيافة الأنبا بطرس ولكن هذه المرة بوضوح أكثر واشتياق أعمق عما كان عليه منذ قبل، ولكي يتعرف الشاب فخري على طريقه.
صلى القداس مع نيافة الأنبا بطرس بناء على طلب نيافته: "احضر معي القداس وصلى لكي نرى ونسمع صوت الرب" – فقد اختارت العناية الإلهية للشاب فخري طريق الرهبنة.
ارسله نيافة الأنبا بطرس الى دير العذراء (المحرق) ولكنه رجع فطلب خطاب تزكيه الى دير الأنبا صموئيل لقدس أبونا مينا الصموئيلي أمين الدير في ذلك الوقت.
وفي عام 1968 وصل الشاب فخري الى دير الأنبا صموئيل وكان في ذلك الوقت معظم الآباء الرهبان شيوخ وكبار السن – فاهتم الشاب فخري بخدمة الآباء الشيوخ بكل محبة وطاعة واتضاع وقد تمت رهبنته بيد أبينا القمص مينا الصموئيلي امين الدير وقتئذ في 15 يوليو 1968 وفي يوم رهبنته كان معه اثنان من أخوته في الرهبنة أبونا المتنيح الراهب مكسيموس وأبونا الراهب دوماديوس، وبترتيب إلهى كانت احدى الأسر المحبة لدير الأنبا صموئيل من محافظة الفيوم وكانت هذه الأسرة دائمة التردد على الدير – فطلبت من أبونا مينا الصموئيلي أن يعطى اسم أبرام لأحد الرهبان الجدد بالدير تيمناً باسم الأنبا أبرام اسقف الفيوم والجيزة المتنيح، وبالفعل فقد اعطى أبونا مينا الصموئيلي الشاب فخري اسم أبرام الصموئيلي.
فرح الشاب فخري باسم أبرام جداً وكان يطلب في صلاته ان يعطيه الرب أن يكون مثل الأنبا أبرام، وذلك كما وجدناه مكتوب فيما بين أوراقه الخاصة.
كان دير الأنبا صموئيل في الفترة التي ترهب فيها أبونا أبرام – فقير جدا وليس له مصدر إيراد على الأطلاق ولم تكن هناك وسائل المواصلات متوفرة بل كانت على فترات متباعدة تأتي قوافل إلى الدير بالجمال – محملة بضروريات واحتياجات الرهبان، والجدير بالذكر أن اول دير يزوره قداسة البابا المتنيح الأنبا شنوده الثالث وذلك عام 1971 هو دير الأنبا صموئيل المعترف وعندئذ سأل قداسته – أبونا مينا قائلاً: عندك رهبان لنوال نعمة الكهنوت وعندك اخوة للرهبنة؟
اجاب ابونا مينا: انه يوجد ثلاث أباء للكهنوت واثنان للرهبنة، والثلاث أباء كانوا: أبونا أبرام وأبونا مكسيموس وأبونا دوماديوس.
وبعد ذلك أوصى قداسته أبونا أندرواس الصموئيلي بتحفيظ الآباء الذين نالوا نعمة الكهنوت وتسليمهم صلوات القداس الإلهي.
استلم أبونا أبرام التسبحة والقداس الإلهي من هذا أبونا أندرواس الصموئيي، ولقد امتاز أبونا أبرام منذ بداية رهبنته بدير الأنبا صموئيل بالنشاط والجدية لا يكل ولا يغضب من أي عمل يكلف به – بل يؤديه بكل همة ونشاط، وكانت صلاته القلبية مستمرة حتى اثناء العمل – كما قيل عن داود النبي أما أنا فصلاه، كما كان مثابراً في طريق النسك والصوم وايضاً الخدمة الباذلة واضعاً امام عينيه قو الرب يسوع "لان ابن الإنسان لم يأتي ليُخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين".
بعد ذلك ذهب أبونا أبرام ليخدم في مقر الدير بقرية "الزورة محافظة المنيا" يستكمل خدمة مقر دير الأنبا صموئيل ويستلمها بعد (نياحة القمص شنوده الصموئيلي ... أبريل 1977) فانجذب الجميع لشخص الرب يسوع الساكن في أبونا أبرام -لأنهم شعروا بأبوه حقيقيه داخل هذا الأب.
واختار أيضاً أبونا أبرام في فترة تواجده في الدير (دير الأنبا صموئيل) خدمة الآباء الشيوخ بالدير، فوضع على عاتقه أن يلبى لهم كل احتياجاتهم ويخدمهم بغير تذمر أو ملل وكان يعتبر هذه الخدمة هي فرصته التي لا تعوض أن يأخذ بركتهم ويسترشد منهم ومن خبرتهم الروحية في الحياة الرهبانية.
ثم ذهب بعد ذلك للخدمة بكنيسة السيدة العذراء بالكوم الأخضر بمغاغة في 15 مايو 1978م لمدة 28 يوم، وذلك بسبب مرض راعى الكنيسة أبونا سمعان غبور.
ولكن ....
نتيجة لكثرة المجهودات التي كان يبذلها أبونا أبرام أصيب بتعب شديد مفاجئ بالقلب فألزمه الدكتور هنري - مغاغة – بالراحة التامة جداً وعدم بذل أي مجهود بل وأيضاً من الحركة الزائدة ، فطلب من الدكتور هنري أن يسمح له بالنزول لصلاة القداس الإلهي – فرفض الدكتور هنري بشده ، ولكن أبونا أبرام لثقته في الرب القادر على كل شيء ترك منزل الدكتور وذهب لصلاة القداس الإلهي .
وايضاً عندما اشتاقت نفسه لزيارة دير الأنبا توماس السائح بجبل شنشيف وتقبيل المعمودية التي تعمد بها وفي نفس الزيارة قام بزيارة جسد مثلث الرحمات الأنبا بطرس مطران كرسي أخميم وساقلته، وتقابل مع نيافة الأنبا بسادة (حفظه الله) في صلاة عشية يوم السبت بالمطرانية بكنيسة الرسولان بطرس وبولس.
اما عن دير الأنبا توماس بعرب بنى واصل مركز ساقلته محافظة سوهاج - فكان مهجوراً لا يصلى فيه إلا أن يأتي أحد الآباء الكهنة ليالي أعياد الميلاد والغطاس والقيامة وأحد التناصير ثم أن الأنبا بسادة عين له كاهناً للصلاة فيه ثم تنيح هذا الكاهن.
في أواخر 1984 م رتبت العناية الإلهية أن يكون أبونا أبرام في دير الملاك ميخائيل بأخميم وقد ذهب الأنبا بسادة (حفظه الله) إلى الدير يبشر الآباء بأن البابا شنوده الثالث سوف يصلي عيد الميلاد 1985 م بعد انقضاء فترة التحفظ، فطلب من أبونا أبرام أن يصلى قداس العيد في دير الأنبا توماس بساقلته فخضع أبونا أبرام.
بدأ أبونا أبرام رحلة التعمير في الدير متسلحا بقوة الرب يسوع وصلوات الأنبا توماس حيث كان يصلى القداس يوميا فأحبه الجميع لبساطته وفي محبته للقديس الأنبا توماس كان بعد قراءة الإنجيل في كل قداس كان يقص بنفسه على الشعب الحاضر سيرة حياة الأنبا توماس فانصت له الجميع وتعرفوا على القديس الأنبا توماس السائح
والرب تمجد فكانت تجرى معجزات الشفاء وإخراج الشياطين والعجائب الأخرى ببركة الأنبا توماس وبصلوات هذا الرجل البسيط المتواضع الذى سكنت فيه المحبة فلم يكن له عدوا على الأرض وكان كريما جدا في العطاء مضيفا لكل أحد غير أن محبته شملت غير المسيحين أيضا من أهل قريته حتى إلى الغفر والأمن كان جميع يحبونه ويهابونه جدا وكان عطائه متزايدا عن الحد خصوصا مع من له احتياج وأيضا إخوة الرب الذين لم يبخل عليهم قط وأيضا أهل قريته والقرى الأخرى بل من المحافظات المجاورة يأتون إليه عندما كانوا يسمعون عن فضيلة العطاء الفضيلة التي منبعها دير الأنبا توماس بعرب بنى واصل
لقد عمر أبونا أبرام الدير الأثري (دير الأنبا توماس السائح) بجبل شنشبف بساقلته محافظة سوهاج بعد أن كانت جدرانه هشة بالطوب اللبن لا يصلح للإقامة أو السكن أو حتى الصلاة.
ومن حبه في التعمير والخدمة والعطاء أقام مستشفي جريت توماس الخيري وأيضا بيوت من المغتربين من الشباب والشابات واقام مقرا للدير في شارع أحمد حلمي بالقاهرة وأيضاً بعدها بفترة أقام مقراً اخر بشارع سليم الأول بالزيتون في القاهرة.
وكانت شهوة قلب أبونا أبرام أن يكون دير الأنبا توماس السائح عامرا بالرهبان فوضع هذه الرغبة في صلواته ووضعها أيضا هدفا أمام عينيه وبترتيب إلهي .. أن قداسة البابا شنوده الثالث نيح الله نفسه كان قد كلف نيافة الحبر الجليل الأنبا أبرام أسقف الفيوم ورئيس دير الملاك غبريال بالنقلون بالإشراف على الدير وذلك عام 2002 م فقام أبونا أبرام بتذكية إخوة لدخولهم في سلك الرهبنة.
وابتدأت مرحلة جديدة فقد أعطاه الرب ان يشترى قطعة أرض بمنطقة الخطاطبة وابتدأت رحلة التعمير بالخطاطبة.
وبعد زيارة لجنة مشكلة من الآباء الأساقفة ورؤساء الأديرة لزيارة الدير بالخطاطبة وكتابة تقرير مفصل عما شاهدوه وذلك نتيجة لما تفضل أبونا أبرام بتقديم طلب لقداسة الباب شنوده الثالث للاعتراف بالدير وذلك في جلسة المجمع المقدس بتاريخ 26 / 05/ 2007
وأثناء زيارة البابا شنوده إلى دير الأنبا شنوده رئيس المتوحدين بسوهاج - قام بتغيير الشكل الرهباني لأبينا أبرام الصموئيلي ليكون أبونا أبرام الأنبا توماس ، وايضاً رسامة أباء كهنة ورسامة 6 رهبان جدد للدير.
وعندما ذهب أبونا أبرام لقداسة البابا شنوده الثالث ليُعيد عليه يوم 08 /01 / 2009 قال قداسته لأبونا : إحنا جايين ليك يا أبونا أبرام يوم السبت 10 / 01 / 2009 م ففرح أبونا أبرام وتهلل في داخله وبالفعل لقد تباركت أرض دير الأنبا توماس العامر بالخطاطبة بوطئ أقدام صاحب القداسة البابا شنوده الثالث ومعه عدد كبير من الآباء الأساقفة والآباء الكهنة والرهبان .
ثم توالت بعد ذلك الرسمات لرهبان دير الأنبا توماس السائح فصار بالدير قمامصة وقسوس ورهبان وطالبي رهبنة (حوالي 40) في شركة مباركة وهذه هي أمنية أبونا قد تمناها حين قال: إحنا عايزين الدير يبقى فيه أربعين راهب وبعدها أقول الأن يا سيد تطلق عبدك بسلام.
لقد جاهد أبونا أبرام جهاد الإيمان في سبيل اقتناء الفضائل الروحية وحمل الصليب ، واحتمل صليب المرض سنين طويله بكل شكر – بل كان صامتاً لا يتكلم الا القليل جداً ، وعندما احس بالروح ان شمس غربته على الأرض قاربت المغيب جاء من دير الأنبا توماس بالخطاطبة الى مقر الدير بالزيتون وظل فتره ليوُدع من كل أحباؤه ، وأيضا قبل حلول عيد الميلاد المجيد 2015م سافر الى سوهاج ليقضى العيد هناك وذلك بناء على رغبته التي عبر بها بطريقة أو بأخرى لأحد ابنائه تدل على انه يريد أن يقضى العيد هناك في دير الأنبا توماس الأثري بسوهاج.
سافر أبونا أبرام الى دير القديس العظيم الأنبا توماس السائح بسوهاج، وفي عشية يوم 10/01/2015م أُصيب أبونا أبرام بأزمة صحية مفاجئة وتم نقل أبونا إلى المستشفى (مستشفى الأنبا توماس، وبعدها إلى مستشفى السلام بالمهندسين).
وعندما جاءت الساعة السادسة صباحاً يوم 31/01/2015 فاضت روح أبينا وسط تهليل الملائكة.
وقد تم نقل الجسد الطاهر لأبينا أبرام في مساء الاثنين 02/02/2015م إلى دير القديس العظيم الأنبا توماس السائح بالخطاطبة.
وفي صباح يوم الثلاثاء 03/02/2015م اقيم القداس الإلهي وكان يرأس الصلاة نيافة الحبر الجليل الأنبا صليب وعدد كبير من الآباء الكهنة والرهبان – ثم بعد صلاة القداس – اقيمت صلوات الجناز على أبينا الراهب القمص أبرام الأنبا توماس بحضور الأحبار الاجلاء:
نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باسيليوس أسقف ورئيس دير الأنبا صموئيل المعترف.
نيافة الحبر الجليل الأنبا إرميا الأسقف العام.
نيافة الحبر الجليل الأنبا مينا أسقف ورئيس دير مار جرجس بالخطاطبة.
نيافة الحبر الجليل الأنبا صليب أسقف ميت غمر.
نيافة الحبر الجليل الأنبا اسحق الأسقف العام بالفيوم.
بجانب نيافة الحبر الجليل الأنبا أبرام أسقف الفيوم ورئيس دير الملاك غبريال بالنقلون والمشرف على دير الأنبا توماس السائح العامر، وايضاً وسط اعداد هائلة من محبيه من داخل مصر وخارجها وايضاً من المسيحيين وغير المسيحيين، ثم وضعوه في مزار خاص بالكنيسة الكبرى بدير الأنبا توماس بالخطاطبة.
اجسامهم دفنت بسلام واسماؤهم تحيا مدى الأجيال.
بركة صلاته فلتكن معنا. أمين